قد لا تضيف كلمة “الشاهد” شيئًا عند كثيرين! فهي لا تعني سوى ما اصطلح على تسميته منذ سنوات بالمواطن الصحفي. وكلنا يعرف كم أدّى “المواطن الصحفي” من مهام وكم سدّ من ثغرات انتقصت من دور الإعلام المهني. وقد يتشابه دور “المواطن الصحفي” مع دور “الشاهد” بحق ولكن الشاهد يضيف بعدًا آخر قد لا يتوفر للمواطن الصحفي، ألا وهو البعد التاريخي. فما الذي يعنيه ذلك؟
لقد اعتدنا على متابعة أخبار أحداث التظاهرات والاعتصامات وأخبار الاعتقالات والإفراجات، بل وحوادث القتل الجماعي على مواقع التواصل الاجتماعي عبر منشورات أصدقائنا الذين نثق بهم، أو أصدقائهم الذين نثق في ثقة أصدقائنا بهم. ولكن منشورات أصدقائنا هذه لا يكاد يستغرق تداولها أكثر من عدّة ساعات ثم لا تلبث أن تتوارى في خجل إلى عالم النسيان. وعلى الرغم من الأهمية الآنية لنقل وتداول الخبر سريعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ أنّ هذه السرعة ذاتها تصبح مشكلة إذا نظرنا إلى هذه الشهادات بعين المؤرخ الذي سيأتي فيما بعد مبتغيًا تأريخ المرحلة الزمنية التي يدرسها. إذ إنّ أول ما يعتمد عليه المؤرخ هو “الوثائق” ذات المصداقية العالية. فما هذه الوثائق الثابتة والمحفوظة التي سيعتمد عليها المؤرخ؟
وبتعبير آخر، إنّ دور المواطن الصحفي قد يكون مستوعبًا في “الشاهد” ولكنّ الشاهد يتجاوز المهمة الإعلامية الآنية إلى المهمة التوثيقية والأرشيفية من أجل اليوم الذي سيأتي ليكتب فيه تاريخ المرحلة التي نعاصرها الآن. ومن هنا جاء اختيار هذا اللفظ “الشاهد” فهو الذي يشهد الحدث ويشهد على الحدث. ثم تحفظ شهادته لتكون دليلاً على الحقيقة والرواية الأصلية للحدث التاريخي.
بعد آخر أريد أن ألقيه على “الشاهد”ألا وهو تحديه لمقولة “التاريخ يكتبه المنتصرون”! حقًّا إنّ للمنتصرين منصات كثيرة، بل هم من يصنعونها ويقيمونها. كم يملكون من آلة جبارة تسجل وتحفظ وتردد أكاذيبهم، حتى باتوا يصدقون تلك الآلة وقد نسوا أنهم هم من اختلقوا تلك الأكاذيب والخرافات!
ما عاد ذلك ممكنًا، فقد بات للمنهزمين كذلك منابر مفتوحة! يستطيعون من خلالها أن يرووا قصصهم وشهاداتهم بأنفسهم، ثم يحفظونها للمؤرخ! لقد أصبح بوسع المستضعفين والمظلومين أن يكتبوا حقًّا تاريخهم بأنفسهم.
هلّم أيها الشاهد ولتسهم بصفحة في سفر تاريخنا.
