نمر بلا مخالب.. عن الأمم المتحدة والعجز عن الفعل

نشر في مصر العربية. 7 يونيو 2016.

في يوم الأربعاء الماضي، الأول من يونيو، دخلت قوافل مساعدات طبية إلى مدينة داريا المحاصرة لأول مرة بعد أربع سنوات من الحصار.

داريا، المدينة السورية الثورية الصامدة التي تقع تحت سيطرة الثوار، وتحديدًا لواء شهداء الإسلام التابع للجيش السوري الحر، عوقبت على صمودها هذا بحصار  فرضته قوات النظام السوري عليها منذ نوفمبر 2012.

داريا لا تدفع ثمن ثورتها فقط، بل تدفع ثمن موقعها الجغرافي كذلك. إذ تقع جنوب غرب العاصمة دمشق في الغوطة الغربية، ولذا عاملها النظام السوري بمنتهى الدموية منذ الأيام الأولى في الثورة. كانت أكبر  المجازر التي ارتكبها النظام السوري الآثم في أغسطس 2012 والتي قتل شبيحته فيها ما يزيد عن الأربعمائة إنسان في يوم واحد فقط.

استراتيجة ارتكاب المجازر وبث الخوف لدفع الناجيين والباقيين إلى الهرب للنجاة بحياتهم وحياة أطفالهم استراتيجية معروفة في جرائم التطهير العرقي. المهم أن تذهبوا من هنا، ألاّ يبقى لكم أثر، أن تظل هذه الأرض تحديدًا لنا، وتظل سيادتنا مفروضة عليها. عدا ذلك، لا يعنينا. هذا هو لسان حال نظام مجرم.

لم يعد للدارانيين مساكن، فقد قصفها النظام، ولم يعد لهم مدارس أو مستشفيات، فقد قصفها النظام كذلك. نزح الدارانيون تاركين خلفهم ذكرياتهم، وأحلامهم بثورة تعيد لهم الكرامة، وترفع عنهم المذلّة، ليستقبلوا العالم المجهول الذي ينتظرهم في حياة اللجوء. نزح أكثر من 80 ألف داراني وبقي في داريا أقل من 8000 استطاعوا البقاء بفضل الزراعة المحلية. وحتى هذه الزراعات البسيطة بدأ النظام السوري يقصفها مؤخرًا. استطاع أحمد حمدان، أحد الشباب في مدينة داريا، أن يصور في برنامجه من الغوطة كيف نقصت أوزان الناس قسريًّا بسبب الحصار واعتمادهم على ما تنتجه أرض الغوطة فقط.

ويبدو أنّ النظام السوري لا يرضى بأقل من أن يقضي على المدن الثائرة جميعًا لتبقى له دمشق وما حولها. ولذا فقد رفض عدد لا يُحصى من الطلبات التي تقدمت بها الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي لإدخال المساعدات الغذائية والطبية إلى داريا المحاصرة. ونظرًا لتجاهل النظام السوري لحياة هؤلاء الآلاف الثمانية، بل وتعمده تركهم يموتون جوعًا، فقد حددت الأمم المتحدة يوم الأول من يونيو كأجل نهائي للسماح بدخول المساعدات وإلا قامت بإسقاط المساعدات جوًّا. فما كان من النظام السوري سوى أن سمح بدخول المساعدات في اللحظة الأخيرة.

دخلت قوافل المساعدات إذًا، ولكن فوجئ الدارانيون بأنها لا تعدو أن تكون مساعدات طبية فقط. وعلى رغم أهمية اللقاحات والتطعيمات للأطفال، فإن المحاصرين لم يتعاملوا معها بجدية لاحتياجهم إلى الغذاء قبل الدواء، وأصيبوا بخيبة أمل ثقيلة. اللافت للنظر أنّ النظام السوري قد سمح بدخول تطعيمات في حين منع دخول الأدوات الجراحية البسيطة، حتى إذا أمطر السوريين ببراميل الموت، وهو ما فعله في اليوم الثاني لدخول المساعدات، لا يجد المسعفون ما يضمدون به جراح المصابين.

اللافت للنظر هنا أنّه وعلى رغم فقدان الأسد لشرعيته واعتراف الولايات المتحدة بذلك إلاّ أنّ مؤسسات المجتمع الدولي مثل الصليب الأحمر واليونيسيف تصرّ على تقديم الطلبات لنظام الأسد، وانتظار الأذونات منه.  من العجيب بالفعل أن يأخذ من يريد المساعدة الإذن من القاتل، ليعطي للجريح قبلة الحياة. هل يأذن القاتل المتعمد بإنقاذ ضحيته؟

أتساءل هل لا يوجد طريق آخر لإيصال المساعدات وإدخال الدواء والغذاء إلى داريا وغيرها من المدن المحاصرة سوى طريق نظام الأسد؟ أم أنّ الأمم المتحدة، لكونها جهاز بيروقراطي، لا تعترف سوى بالأجهزة البيروقراطية مثلها؟

حين تابعت خبر دخول قوافل المساعدات الطبية إلى داريا، وخيبة الأمل التي مني بها السكان، تذكرت حسن نوهانوفيتش، وهو أحد الرجال العشرة الذين نجوا من مذبحة سريبرينيتسا 1995، الذي ألف كتابًا ينتقد فيه المجتمع الدولي، حمل عنوان “تحت علم الأمم المتحدة.” والذي أظهر فيه كيف أنّ المجتمع الدولي مفهوم ضبابي لا يشير إلى كيانات محددة، وقدرته على الفعل ضعيفة أو تكاد تكون منعدمة.

في حالة داريا، فهي مدينة تحت سيطرة الجيش الحر، ولها مجلس محلي، يتولى شؤونها. هل لا تعترف بهما الأمم المتحدة، لتضع لنفسها العوائق تلو العوائق في التعامل مع نظام مجرم، لن يتواني عن الفتك بضحيته والإجهاز عليها لتبقى له دمشق وما حولها؟ يموت السوريون بمختلف وسائل القتل في حين يقف العالم يتفرج ونحن في القرن الحادي والعشرين.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>