بين أورلاندو وإدلب.. هل تتساوى قيمة حياة هؤلاء وأولئك؟

نشر سابقًا في مصر العربية. بتاريخ 15 يونيو 2016

في بقعتين متباعدتين من العالم، شهد يوم الأحد الماضي 12 يونيو  حادثين متشابهين في الظاهر ومختلفين فيما عدا ذلك.

في أورلاندو بالولايات المتحدة، اقتحم عمر متين ملهى ليليللمثليين اعتاد التردد عليه والسكر فيه خلال الثلاث السنوات الماضية، ففتح النّار على من كان يشاطرهم اللهو  بالأمس فقتل منهم 50 بدم بارد.

في مدينة إدلب السورية، قصفت طائرات التحالف الأسدي-الروسي سوقًا شعبية في إدلب فقتلت حوالي 27، وآخر في معرة النعمان، فقتلت 7 مدنيين. من هؤلاء ال34، قتل 5 أطفال.

الحادثان بشعان دمويان، وفي كل منهما سقط أبرياء، وسُلب حقهم في الحياة بسبب قاتل مجرم.

ولكن هل تناهى إلى سمعك عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة، خبر الأشلاء التي اجتثت من تحت الأرض في إدلب قبل قرائتكما لهذا المقال! ربما مر الخبر سريعًا، وربما لم تسمعا به!

على “جوجل نيوز” تصدّر خبر أورلاندو قمّة القصص الصحفية لثلاثة أيام، منذ يوم الحادث وحتّى الآن. في حين لم يظهر مطلقًا خبر قصف مدينة إدلب في قائمة الأخبار القصصية  الأولى على ذات الموقع! لا داعي للعجب! فقد اعتدنا أن نسمع، وربما ألاّ نسمع، أخبار المجازر اليومية التي يرتكبها الطيران الأسدي والطيران الروسي في مختلف المدن السورية! ربما باتت سوريا تزعج العالم، فأسقط العالم ضحاياها من حساباته، فحين يُقتلون، فكأنّ شيئًا لم يكن، وحين يقتلون، قد نسمع عن عدد تقريبي عن الضحايا، فلا فرق أن يزيد العدد اثنان أو ثلاثة أو أن ينقص اثنان أو ثلاثة! يكفي أن يعرف العالم، أو ألاّ يعرف أن ضحايا هنا سقطوا. وربما لم تزعج سوريا العالم يومًا، فلم يلتفت إليها أصلاً!

ولأن العالم لا يهتم، ولا يريد أن يعرف هؤلاء الضحايا، فلتفعل روسيا ونظام الأسد ما يريدان على الأرض السورية! وليس عليهما تقديم اعتذار  أو شرح أو تفسير، ليس عليهما أي شيء! في حين توالت الاعتذارات والتأويلات والتفسيرات لحادث أورلاندو من مسلمين كثيرين، إذ إنّ عمر متين مسلم نيويوركي من أصول أفغانية.

وفي حين، أصبح العالم في حداد على أرواح ضحايا أورلاندو، وأضحى يعرفهم بأسمائهم و وصورهم وسيرهم، لا يبدو العالم عابئًا بضحايا إدلب. إن عرف عن المجزرة فيكفي أن يعرف العدد فقط! ليس من المهم أن يعرف أسماء من قتلوا، فضلاً عن شيئٍ عن حياتهم وسيرهم.  لا يبدو العالم عادلاً! لا يساوي بين حياة هؤلاء و حياة أولئك! تكتسب حياة الضحية قيمة أكبر إن كانت على أرض الولايات المتحدة أو أوروبا، أو ارتكبت على يد مسلم، من السهل تصوره إرهابيًّا، وإن كانت حياة فئة غير عادية كفئة المثليين. أمّا إن كانت الحياة على أرض مثل سوريا، وإن كانت ترتكب على يد قوات الدولة ذات السيادة بصدد مدنييها الذين يبدون عاديّين، انخفضت قيمة الحياة في هذه الحالة! لا تبدو الجغرافيا السياسية عادلة!

ذات مرة، كنت أتكلم مع أستاذي الأمريكي، وهو أستاذ في الفلسفة ولكن على اتصال بالعالم، وتحدثنا عن “داعش” بدا مستوعبًا ومرحبًا بفكرة أنّ ثمة موافقة من عموم المسلمين على شرعية محاربة هذا التنظيم حتى يختفي من الوجود، في حين لم يكد يصدقني حين أخبرته أنّ القوات الروسية تقتل من المدنيين السوريين ما يفوق من تقتله داعش!

لدينا خرائط مختلفة للإدراك إذًا! و لا يبدو أن حياة جميع من على البسيطة معترفًا بها في الأصل! هناك الحياة الحقيقة المعترف بها، والتي تستحق الحداد والحزن. وهناك حياة آخرين، لا تبدو حقيقية كثيرًا فيكفي أن نعرف أنها انتهت، وليمضِ العالم لشأنه، فلا وقت كثير يعطيه للحداد على حياة كانت أقرب للاختفاء.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>