“فتح الشام” ومحليّة الثورة السورية

نشر سابقًا في مصر العربية. 2 أغسطس 2016

لم يكن الإعلان عن انتهاء ما كان يُعرف بجبهة النصرة لأهل الشام، التابع لتنظيم قاعدة الجهاد، وإعلان ولادة تنظيم جديد، يحمل اسم “جبهة فتح الشام” بالمفاجأة الصادمة. إذ قبل أن يعلن الجولاني اسم التنظيم الجديد، وتغريدات القريبين من الداخل السوري تتوالى عن اتخاذ قرار “فك الارتباط” بين تنظيم القاعدة وجبهة النصرة سابقًا.

كما أنّ توالي الضغوط الداخلية قبل الخارجية على التنظيم ليتخذ مثل هذا القرار لإيجاد مخرج لاستثنائه من التحالف الدولي الذي بدأت عملياته الجوية ضد تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة منذ يونيو 2014، جعلت هذه الخطوة مفهومة ومطلوبة في ظل هذه اللحظة المصيرية في مسار الثورة السورية.

إن قرار إنهاء جبهة النصرة، وبدء تنظيم جديد يعمل في الداخل السوري باسم “جبهة فتح الشام” يحمل عدّة دلالات. أهم هذه الدلالات، في تصوري، هو انتصار الثورة السورية ذات الغاية المحلية، وهي إسقاط نظام الأسد وبناء سورية جديدة، على الجهاد القاعدي ذو الغاية العالمية، وهو مواجهة النظام العالمي وتحكيم الشريعة بحسب أيديولوجية هذا التنظيم.

منذ أن أعلن التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حربه على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة بفروعه في يونيو 2014، وباتت جبهة النصرة، سابقًا، هدفًا مشروعًا له لكونها تحمل نفس أيديولوجية التنظيم العالمية، والتي تستهدف الأمن القومي للولايات المتحدة، بحسب تصورها.

ونتيجة لتشارك تنظيم النصرة مع العديد من فصائل الثورة السورية في تحالفات عمليات عسكرية متنوعة وناجحة، منها على سبيل المثال، جيش الفتح، فإنّ مواقعها الجغرافية كانت متشابكة ومتداخلة مع الفصائل الثورية الأخرى، سواء فصائل الجيش الحر، أم الفصائل ذات المرجعية الإسلامية. وبالتالي فإنّ استهداف النصرة من قبل التحالف الدولي أدّى بالفعل لمشكلات كبيرة في التحالفات العسكرية التي شملت التنظيم، وشملت فصائل أخرى توصف بالمعتدلة من قبل الإدارة الأمريكية، والتي تتلقى الدعم الأمريكي.

بعبارة أخرى، فإنّ الدعم الأمريكي لفصائل وألوية الجيش الحر، والفصائل الكردية، وغيرها من الفصائل المعتدلة، في مقابل قصف جبهة النصرة، المصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية أدّى إلى إحداث الاضطراب والشقاق في التحالفات العسكرية التي تقاتل نظام الأسد. بالإضافة للخصومة والعداء الذي وصل لحد التقاتل بين جبهة النصرة وبعض الفصائل الأخرى المعتدلة. وقد أدّى هذا بالفعل إلى تفرق وتشرذم الفصائل المقاتلة، وبالتالي إلى تقهقر مسار الثورة الثورية في خلال العامين الماضيين.

وقد أدرك الجولاني أنّه لا عودة للعمل المشترك مع الفصائل الأخرى، سوى بإنهاء التنظيم القديم، وإنشاء تنظيم جديد محلّي، ومحلّي فقط. إذ جاء في مسوّغات قراره المعلن عن جبهة فتح الشام “وتقريبًا للمسافات بيننا وبين الفصائل المجاهدة، وأملاً منّا في تشكيل جسم موحد يقوم على الشورى يجمع شمل أهل الشام، ويحرّر أرضهم.. ونزولاً لرغبة أهل الشام في دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي، وعلى رأسه أمريكا وروسيا في قصفهم وتشريدهم لعامّة المسلمين في الشّام بحجّة استهداف جبهة النصرة التابعة لتنظيم الجهاد، قرّرنا إلغاء العمل باسم جبهة النّصرة، وبداية العمل باسم جبهة فتح الشام الذي ليس له أي علاقة بأي جهة خارجية”.

بدأت أولى آثار هذه الخطوة مباشرة في معركة فك الحصار عن حلب المحاصرة، تحت اسم معركة “الغضب لحلب” وهي المعركة التي يشترك فيها عدة فصائل ثورية، منها تنظيم “فتح الشام” الذي بدأ العمل به منذ 28 يوليو الماضي. ويتوقع أن تؤدّى هذه الخطوة إلى آثار أكبر في مدى الأسابيع والشهور القليلة القادمة.

وفي النهاية، فإنّ خطوة فك الارتباط بين جبهة النصرة سابقًا وتنظيم القاعدة، أدّى إلى إزالة أي صفة غير محلية من المشهد السوري. وبالتالي، توحيد الغاية من الثورة السورية، بغض النّظر عن تعدّد الفصائل المقاتلة، ألا وهي إسقاط نظام الأسد، وبناء سورية جديدة يعود إليها السوريون النازحون من المنافي.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>