رابعة.. من تلقائية الرمز إلى احترافية الشعار

نشر في مصر العربية. 16 أغسطس 2016.

في ذكرى مجزرة رابعة الثانية 2015، تأسست مؤسسة “قصة رابعة“على يد مجموعة ممن شهدوا الاعتصام، أو شاركوا فيه، وممن نجحوا في الخروج من مصر في أعقاب فضّ الاعتصام فرارًا بأمنهم وسلامتهم وحريتهم.

مجزرة رابعة ليست كباقي المجازر التي شهدتها مصر في السنين الخمسة الماضية. ففضلاً عن عدد الضحايا الذي يتجاوز الألف، ومعدل سقوط الضحايا الذي تجاوز 100 قتيل في الساعة الواحدة؛ فإنّ مجزرة رابعة قد توافرت فيها عناصر الجريمة المتكاملة بدءًا من النية والإصرار، ثمّ الخطة المعدّة سلفًا، وانتهاءً بالبروباجندا الإعلامية التي سبقت وتزامنت وتلت المجزرة. وهذا ما عكسه عنوان تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش “حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر” والذي صدر في الذكرى الأولى في 2013.

والجريمة، مسألة يفصل فيها القانون. وللقانون أدواته في التوثق والتأكد، والحكم. ولكنّ البروباجندا التي تعتمد على الكذب والتشويه، قد جعلت رابعة مسألة ذات أهمية بالغة في التاريخ. ولهذا تأسست مؤسسة قصة رابعة، لتحدّي هذه البروباجندا الكاذبة الطاغية بالدليل وروايات شهود العيان، وروايات المعتصمين.

والتاريخ كما تحكيه الروايات، تحكيه الرموز كذلك.

في أواخر أيام الاعتصام، أشار بعض المعتصمين بعلامة أربعة أصابع، للدلالة على التصميم والاستمرار في الاعتصام، رغم التحديّات. الإشارة بإشارات معينة باليد، ليست غريبة، فمن المشهور مثلاً علامة الإصبعين والتي تدلّ على النصر. فالأصابع الأربعة دالّة التصميم في مقابل الإصبعين دالّة النصر.

أدّى الفض الوحشي لاعتصام رابعة إلى انتشار هذا الرمز في مصر وفي العالم، وأصبحت دلالة الإشارة بالأصابع الأربعة دالّة على التعاطف والإقرار بوقوع المجزرة، والاعتراف بكونها مجزرة.

تلقفت العلامة المصمّمة التركية،صالحة إيرين، وزملاء لها. ثم عملت على إعطاء الرمز شكل بصري، والذي لم يكد يتجاوز الألوان. اللون الأسود لليد المنبسطة، واللون الأصفر في الخلفية. اكتسى ميدان رابعة بلون الدخان الأسود، عقب حرقه، واللون الأسود هو لون الحداد والحزن، والغضب، فيما بعد المجزرة. في حين يشي اللون الأصفر  بضوء الأمل الذي يحتاجه الناجون من المجزرة للعيش واستمرار الحياة على رغم آلام المجزرة.

وفي ظل سعي النظام المصر ي المحموم، خاصّة في السنة الأولى بعد المجزرة إلى محو آثار الجريمة،  كانت علامة رابعة تزعجه، فالرمز المنتشر في كل مكان أصبح خارج السيطرة. وكان يتصور أنّ اعتقال من يحمل هذا الرمز أو فرض قانون لعقاب من تسول له نفسه الاحتفاظ بهذا الرمز إجراءات كافية لطمس الرمز.

ومع تدويل قضية رابعة، أصبح هذا الرمز “المحلّي” الذي يحمل معه ذكريات الغضب، والصدمة، والعجز، والتدمير، غير وافي لمتطلبات التدويل، وتوثيق الحقيقة، والبحث عن العدالة في الأروقة الدولية.

اختارت مؤسسة قصة رابعة رمزًا آخر وهو رمز الوردة، الذي يختار عادة للدلالة على عدالة قضية ضحايا مجازر، حدثت ضد فئة، ولكنها مجازر ضد الإنسانية، فالهدف من رمز الوردة هي رفع قضية المجزرة من المستوى المحلي إلى المستوى الدولي. بل ووضع المجزرة في سياق جرائم مماثلة في أزمنة وأمكنة مختلفة.

رمز الوردة، يرمز كذلك لمرور مائة عام على مجزرة الأرمن المسيحيين التي وقعت في 1915 في سياق الحرب العالمية الأولى. والتي ارتكبها حزب تركيا تركيا الفتاة في إطار سعيه المحموم لبناء تركيا قومية حديثة متجانسة، ذات هوية واحدة. ورمز الوردة يرمز كذلك لمجزرة سريبرينيتسا التي وقعت في 1995، والتي حاول فيها الصرب استئصال مسلمي البوسنة.

22839801f549ba88a0900267b472c04b19481fd8

رمز الوردة لمجزرة الأرمن يتكون من أربعة مكونات ذات ألوان مختلفة. المركز الأسود، وهو يمثل آلام مجزرة الأرمن في الماضي، والأوراق ذات اللون البنفسجي الفاتح، وهي تمثل مجتمعات الشتات الأرمني في العالم في اللحظة الحاضرة، والذين يتوحدون في الذكرى المائة لإحياء ذكرى المجزرة. أما أوراق الوردة الخمسة ذات اللون البنفسجي الغامق، فترمز للقارات الخمس التي وجد الأرمن اللاجئن فيها وطنًا جديدًا، وفيها استقروا، وسيستمر مستقبل ذريتهم فيها. واللون البنفسجي الغامق هو لون زي الكنيسة الأرمنية التي تقع في القلب من الهوية الأرمنية المسيحية. أمّا الأوراق الصفراء الاثنى عشرة، فترمز لأعمدة النصب التذكاري الاثنى عشرة للمجزرة المقام في العاصمة الأرمنية، ياريفان.

416268275f6e73e9b72ce4a69f014b6e6aebd2164

رمز الوردة لمجزرة سريبرينيتسا، مكون من مكونين فقط. الأوراق البيضاء الاثنى عشرة، التي ترمز ليوم المجزرة، يوم 11 يوليو، واللو ن الأبيض الذي يرمز للنقاء من الرغبة في الانتقام، وترك الأمر لقانون العدالة، طلبًا للسلام. والمركز الأخضر يرمز لضحايا المجزرة الذين يتم التعرف على جثامينهم، بعد استخراجها من المقابر الجماعية، ثم تكفينهم بأكفان خضراء وإعادة دفنهم. ووردة سريبرينتسا لها ميزة خاصة، وهي أنها مبادرة من أمهات الضحايا الناجيات، اللاتي يقمن بصنعها من الكوريشيه.

1847862133bae4228d129b0425157288daf34fc4b3

تحول رمز رابعة من رمز الأصابع إلى شعار الوردة. وعُكس اللونان، فحين كان اللون الأسود هو اللون الرئيسي، أي لون الغضب والحزن، في الشعار السابق، أضحى  اللون الفرعي في الرمز الجديد، وهو لون مركز الدائرة، والذي أمسى يرمز للماضي. أمّا الأصابع الأربعة، فتحولت إلى أوراق الوردة الأربعة ذات اللون الأصفر الذي كان في الخلفية في الرمز السابق، فأصبح اللون الأساسي في الشعار الحالي والذي يرمز للضياء الذي يضاد ظلام اللون الأسود.

وأخيرًا، فإنّ تحول الرمز في خلال عامين فقط من الرمز التلقائي، إلى الشعار الاحترافي مسألة مصاحبة لعملية تدويل قضية رابعة، والتي تدل على نضج في التعامل مع عواقب مأساة إنسانية كبيرة من هذا النوع.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>