سوريا.. في ذكرى المجزرة، تُرتكب مجزرة!

نشر سابقًا في مصر العربية. 23 أغسطس 2016

تتملكني الحيرة ماذا أكتب حين تحين ذكرى مجزرة من مجازر الأسد في سنوات الثورة السورية الخمسة! فحين نحاول إحياء ذكرى مجزرة، تكون مجزرة أخرى قد ارتكبت للتو.

ترتكب السلطة المجازر “محدودة النطاق” في مصر لأجل أغراض القمع والسيطرة على شاكلة “اضرب المربوط يخاف السايب.”  ولكنّ الغرض من المجازر في سوريا ليس القمع، وإنما التطهير والإبادة التامّة للإنسان وللعمران. هذا هو ما يفعله التحالف الإيراني-الأسدي على مدار السنوات الخمسة، وقبل أن تنضم روسيا إلى التحالف، محدثة عجلة متسارعة في عملية الإبادة. وكأنّ الأسد يقول: فلندع العالم في شغله الشاغل بالقضاء على داعش، البعيدة عن مناطقنا، ولننجز نحن، بسرعة، مسألة القضاء على السوريين السنّة، والثائرين!

الأمر مخيف! ما نهاية هذه المجازر المتتالية؟ ومتى سيحين الوقت الذي نحيي فيه ذكرى مجزرة في سوريا دون أن تحدث مجزرة أخرى في نفس التوقت؟ لا أحد يعلم! ولا يمكن التنبؤ متى تتوقف هذه الهستيريا الأسدية-الإيرانية-الروسية الهادفة إلى إجلاء السوريين السنة واقتلاعهم من أراضيهم؟

في الغوطتين الشرقية والغربية، حيث الحزام الأخضر الثائر الذي يحيط بدمشق، بالقلعة الأسدية التي تحصن الأسد ونظامه من الانهيار والسقوط، ترتكب المجازر بلا هوادة، ودون ضوضاء كذلك. لا أحد يسأل الأسد: لم تستمتع بارتكاب المجازر كل يوم؟ هذا فضلاً عن أن يسائله! يتواطأ العالم على إبادة السوريين: بعضه بالفعل المباشر، وبعضه بالتخاذل، وبعضه بالصمت، وبعضه باللامبالاة!

لا يريد الأسد وجودًا بشريًّا ثائرًا أو غير ثائر حول دمشق! يريد أن “يطهّر” ما حول دمشق، لتبقى دمشق حصنًا آمنًا له، ولطائفته و لمواليه! أمّا المغلوبون على أمرهم من الدمشقيين، فليس لهم إلاّ الصمت إن أرادوا النّجاة!

استراتيجية الأسد مبنية على تعجيل “تطهير” الغوطتين لموقعهما الحسّاس ولمكونهما السنّي الثائر. ولأن أغلب سكانهما هم من الذين يمتهنون الزراعة التي تربط الإنسان بالأرض ربطًا عضويًّا، فإن الأسد لم يستخدم وسائله التقليدية في القتل والتهجير فقط، وإنّما عمد إلى استخدام الكيماوي: غاز السارين الذي لا تراه عين، ليقتل الآمنين في بيوتهم فيما عُرف باسم مجزرة الكيماوي. ارتكب الأسد هذه المجزرة دون أن يخاف! ممّ يخاف! من العالم المتواطئ مثلاً؟ وحتّى إن استيقظ، فسيستيقظ حين تكون المهمّة قد انتهت!

ففي الساعات الأولى من 21 أغسطس 2013، لم يستيقظ أكثر من 1000 رجل وامرأة وأكثر من 400 طفل من نومهم من سكان حي جوبر، و عين ترما، وكفر بطنا وسقبا، وجسرين، وحمورية ومسرابا وحرستا ودوما.

لا يفرق غاز السارين بين رجل وامرأة وطفل! ولا يفرق بين عسكري ومدني! و في لحظة هستيرية، أراد الأسد أن يقتل ما استطاع من هؤلاء الذين لا يريدون مغادرة بيوتهم، و يصيب ما استطاع، ويدفع من تبقّى للفرار.

صور جثث الأطفال المسجّاة على الأرض في الأكفان البيضاء، والموؤودين بغاز السارين اللعين شاهدة أنّ الأسد لا يريد قمع الثوّار أو العسكريّين، وإنّما يريد قتل الحياة! بل وقتل الحياة في مهدها!

تنبّه العالم حينها، وأصدرت الأمم المتحدة، ومنظمات حقوقية أخرى تقارير توثق مجزرة الكيماوي، بل وأصدرت المخابرات الأمريكية والفرنسية والألمانية تقارير توثق المجزرة كذلك، وتدين نظام الأسد.  ولكن، لم يكن ذلك لأجل أطفال سوريا، ولا لأجل “الحياة و”العمران” في سوريا، بل كان لأجل أن السلاح المستخدم في القتل هو السلاح الكيماوي، ولأنّ الأسد استخدمه على نطاق واسع. فحين كان الأطباء في سوريا يستنجدون بالعالم لمعرفتهم باستخدام الأسد الكيماوي في القتل على نطاق ضيق، لم يعبأ بهم أحد.

وحين أنجز الأسد المهمة واستفاد من الكيماوي المخبأ لأجل قتل المدنيين، لم يمانع من الاستغناء عن بعض مخزونه لذرّ الرماد في العيون! وليعطي لنظامه قبلة الحياة. هذا، قبل أن تتدّخل روسيا لتعطيه الحياة والبقاء، ولتجعل من مقولة فقدان النظام للشرعية قولاً باهتًا أمام سياسة البقاء للأقوى!

ونعود لنتساءل، إلى متى يستمر الوضع في سوريا على ما هو عليه؟ ومتى سنتذكّر المجازر حين يكون باقي السوريين في أمن من مجازر جديدة؟ وإلى متى سيتواطأ العالم لينتهي الأسد من مشروعه في الإبادة، وهو في حصن حصين من المساءلة والعقاب!

 

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>