الذين أُخرجوا من ديارهم

نشر في مصر العربية. 30 أغسطس 2016.

ربما لم يكن علينا أن نفاجأ كثيرًا عندما شهدنا يومي الجمعة والأحد الماضيين خروج المدنيين والثوار  من داريا، المدينة الثورية التي أقضت مضجع نظام الأسد وحلفاءه عبر خمس سنوات من الثورة، وأربع سنوات من الحصار.

فقد كانت داريا تستغيث عبر سنوات حصارها الأربع، وعلى الأخص في الشهور الأخيرة. لم ينجد داريا أحد. فلا أنجدتها الفصائل المقاتلة في الشمال، ولا أنجدتها الأمم المتحدة. وبعد أن نجحت الأخيرة في إدخال قافلة معدات طبية إلى المدينة في بداية يونيو الماضي، أمطر  التحالف الأسدي الروسي المدينة بالقنابل، في سرعة متزايدة لإجبار مجلس المدينة المحلي على الجلوس للتفاوض.

وقد كان أن تفاوض المجلس المحلي مع نظام الأسد، برعاية أممية. وبناء على ذلك، سلّم ثوار داريا سلاحهم المتوسط والثقيل لنظام الأسد، وخرج الثوار مع عائلاتهم إلى إدلب، المدينة الواقعة تحت سيطرة الثوار. في حين رُحّل حوالي 4000 مدني إلى مراكز إيواء مؤقتة في منطق الحرجلة، القريبة من دمشق.

لم يُنشر نص الاتفاق بين النظام السوري واللجنة المنتدبة للتفاوض نيابة عن من تبقى من أهل داريا. ولكنّا رأينا آثار هذا الاتفاق الذي شهد على إخفاق للثورة، ونجاح نظام الأسد، وإيران، وحزب الله.

بات واضحًا الآن أنّ نظام الأسد كان يهدف للتغيير الديموغرافي والتطهير العرقي للمناطق التي تتاخم دمشق، بالإضافة إلى الجنوب السوري. لم تكن براميل الأسد تهدف إلى “قمع” الثورة، بل كانت تهدف إلى “قتل” الحياة المدنية جميعها، قتل الناس وتدمير العمران.

داريا، التي كان يقطنها 250 ألف مدني قبل الثورة، أصبحت الآن خالية تمامًا من سكانها. قُتل الكثيرون في مجازر متتالية، وببراميل الموت، اعتقل بعضهم، مات من المعتقلين بعض، دُفع آخرون للنزوح داخل سوريا، وآخرون للهجرة من سوريا بكاملها. بعض الدارانيين الآن،استقرّ بهم المقام في دول اللجوء بأوروبّا. ومن تبقّى، هُجّر  إلى مراكز إيواء تبتعد بعض الكيلومترات عن داريا.

“الأسد أو نحرق البلد” شعار كتبه العلويون والموالون للأسد على الجدران، وقد نفذوه بالفعل. لم يبق هناك أثر من إنسان من حجر أو بشر في داريا.

خرج علينا دي ميستورا يقول أنّه لا يجب إجبار أحد من سكّان درايا على الخروج. يجب أن يكون الخروج طوعي!

يمعن المجتمع الدولي في الخذلان، والكذب على نفسه، وعلى العالم، وعلى أهل داريّا.

يريد دي ميستورا أن يحمي نظام الأسد، وإيران، وروسيا، وأن يحفظ ماء وجه المجتمع الدولي. يريد أن يعلن ويسجل هذه الكلمة: “خروج طوعي.” يريد دي مستوار ألاّ يحسب خروج أهل داريا “تهجيرًا قسريًّا” بل “هجرة طوعية” قام بها أهل داريا برغبتهم. لأن التهجير القسري جريمة، بينما الهجرة فعل اختياري.

ولكن، لا، لم يخرج الدارانيون من بيوتهم طوعًا. بل خرجوا يدافعون عنها منذ اليوم الأول للثورة. و لم تدفعهم براميل الأسد الحقودة، ولا قذائف النابالم الحارقة التي حصدت أرواح أطفالهم  على الانتقام من العلويين الذي يقطنوان المناطق المجاورة، بل كانوا مثالاً لقيم ثورة هدفت إلى الكرامة.

لم يخرج الدارانيون من ديارهم، بل أُخرجوا منها. ولن تساقط جرائم روسيا وإيران ونظام الأسد بالتقادم ولا بخذلان المجتمع الدولي.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>