حديث الجولاني ومستقبل القتال في سورية

نشر سابقًا في مصر العربية. 20 سبتمبر 2016.

انتهت هدنة القتال في سوريا أمس 19 سبتمبر، والتي استمرت مدة سبعة أيام، بدأت في أولى أيام عيد الأضحى 12 سبتمبر، والتي كانت برعاية الاتفاق الروسي الأمريكي الأخير في جنيف.

وعلى رغم هشاشة الهدنة، إذ انتابتها خروقات متعددة، إلاّ أنّ الولايات المتحدة استثنت جبهة فتح الشام، المنفكّة عن تنظيم القاعدة منذ 28 يوليو الفائت. كما استثنت تنظيم الدولة الإسلامية داعش بطبيعة الحال. وفي محاولتها استهداف هذا الأخير، قصفت قوات التحالف الدولي موقعًا للجيش النظامي ترتب عليه مقتل 60 جندي من النظام السوري، وهو ما وصفته الولايات المتحدة بالعملية الخطأ. وبناء عليه، فقد قرر التحالف الإيراني الروسي الأسدي عودة القتال، كما أعلنت الفصائل الثورية والجهادية عودتها للقتال كذلك فيما بدا أنه مستهل مرحلة جديدة في الحرب في سورية.

وفي ظل هذه المتغيرات، ظهر الجولاني، قائد جبهة فتح الشام (جبهة النصرة القاعدية سابقًا) لأول مرة على الجزيرة منذ إعلان جبهة فتح الشام في برنامج “لقاء خاص” يوم السبت 17 سبتمبر. وقد ألقى حديثه الضوء على ما يمكن أن نتوقع من خلاله اتجاه الثوار والجهاديين في الأيام والأسابيع القادمة. فقد بدا حديث الجولاني استراتيجيًّا يفكّر في مستقبل الثورة السورية، ومستقبل الإقليم، ومستقبل سورية بعد التحرير.

ففيم يخصّ مستقبل الثورة السورية، بدا الجولاني مدركًا للموقف الدولي العام من الثورة السورية، ومن مآلات تفريغ الغوطة وحمص من سكانها. ومن ناحية أخرى، بدا الجولاني متحررًا من العقلية الثأرية التي تسيطر على عقلية تنظيم القاعدة، ووليدها المتوحش “داعش.” فعلى رغم إعلان الولايات المتحدة استهدافها لجبهة فتح الشام، بناء على عدم اعترافها وعدم ثقتها في انفكاكها عن القاعدة، واستثنائها من الهدنة، والتي شهدت مقتل أبو عمر سراقب، القيادي العسكري في جيش الفتح، فإنّ الجولاني لا يغير من استراتيجيته القتالية، ليجعلها مثلاً صوب الغرب كما تفعل داعش، ومن قبلها تنظيم القاعدة. إذ، تشجع داعش الذئاب المنفردة على تنفيذ عمليات ثأرية صغيرة كان آخرها في الولايات المتحدة أمس.

وفي استقلال عن تنظيم القاعدة، يؤكد الجولاني على انتماء جبهة فتح الشام للثورة السورية وأهدافها، ولتتحمل الجبهة خاصّة، والثورة السورية عامّة مقتل قياديين ذوي وزن على وقع ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة دون أن يستفزها ذلك لتغيير أهدافها الاستراتيجية.

كما ثمّن الجولاني، بيان فصائل الجيش الحر، وأحرار الشام، الذي استنكروا فيه استهداف التحالف الدولي لجبهة فتح الشام، وهو الموقف الذي يدل، بحسب الجولاني، على وعي فصائل الثورة المختلفة أنّه إذا قضي على فتح الشام، فإنّ الدور القادم سيكون على الواحدة تلو الأخرى، بحسب قربها من الإسلامية. فقد تكون “أحرار الشام” هي التالية في الاستهداف، ثم “جيش الإسلام” على سبيل التكهّن.

أمّا ما يخص مستقبل الإقليم كله، فقد بدا الجولاني واثقًا من الدور الذي تقوم به الفصائل المقاتلة، والإسلامية منها بالذات، إذ تشكل حاجزًا منيعًا ضد النفوذ الإيراني الشيعي الذي نجح في العراق، ويريد أن يتصل بعمقه الاستراتيجي في سوريا ولبنان. ويتساءل الجولاني عمّا يمكن أن تكون عليه المنطقة بعد عشر سنوات مثلاً ديموغرافيا وسياسيا إذا نجح المشروع الإيراني في سوريا! ما الذي من الممكن أن يحدث في شرق السعودية على سبيل المثال، وما الذي سيبدو عليه مستقبل اليمن؟

وفي انفكاك فكري عن تنظيم القاعدة الذي لا يملك مشروعًا للعمران في الحقيقة، يدرك الجولاني مستقبل الجيل الناشىء في سوريا، فمعظم الأطفال يعانون من الأمية الآن في ظل القصف الدائم للمدارس، وفي ظل حالة التشرذم في المناطق التي تخضع لفصائل متباينة. وعلى ما يبدو أن الجولاني لا يستبعد استمرار الحرب في سوريا خمس سنوات أخرى، ويقلقه مصير الأطفال الذين سيبلغون العاشرة وما بعدها بذلك الوقت، في حالة من الأمّية، وبالتالي ضعف القدرة على بناء سورية جديدة.

ولذا، فإنّ مشروع التوحد والاندماج بين الفصائل، ليس مهمًّا فقط في تكوين القوة العسكرية التي لا غنى عنها لتحرير سورية كما عبّر الجولاني، بل هو محوري في بناء الجيل الجديد الآن، والذي سيسهم في بناء وتعمير سورية جديدة.

 

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>