الحافلات الخضراء تنتظر في خان الشيح

نشر سابقًا في مصر العربية. 15 نوفمبر 2016.

الحافلات الخضراء أضحت رمزًا لسياسة التهجير التي يتبعها النظام السوري وحليفه الإيراني بانتظام في محافظتي حمص، وريف دمشق على الأخص، واللتان تعدّان محطة الحافلات الأولى. أمّا محطتها الأخيرة فهي محافظة إدلب، الواقعة تحت سيطرة الثوار في الشمال السوري.

رأينا الحافلات الخضراء تنقل ما تبقّى من مقاتلي حمص القديمة في مايو2014، ومقاتلي حي الوعر في ديسمبر 2015، ثمّ رأيناها تنقل عائلات بلدتي مضايا والزبداني، الواقعتين في ريف دمشق في إبريل من هذا العام 2016. ثم دارت عجلات الحافلات الخضراء مرة ثالثة لتصل إلى داريّا في نهاية أغسطس، ليستقلّها ثوارها وعائلاتهم، لتنقلهم باتّجاه إدلب. وفي أكتوبر، ولمرة رابعة، تتجه الحافلات الخضراء إلى بلدات قدسيا والهامة ومعضمية الشام في ريف دمشق الغربي لتنقل عائلاتها إلى إدلب كذلك.

 الآن، وقبل أن يمر شهر على نقل من تبقّى من أهالي “معضمية الشام” دارت عجلات الحافلات الخضراء للمرة الخامسة، لتنتظر بالقرب من خان الشيح، إحدى البلدات القليلة المتبقية تحت سيطرة الثوار في الغوطة الغربية في ريف دمشق، وتفصلها مسافة قصيرة عن بلدة أخرى واقعة تحت سيطرة الثورا تُدعى بلدة “زاكية” وتفصلها مسافة ليست بالقصيرة عن بلدة ثالثة تحت سيطرة الثوار كذلك تُدعى بلدة “بيت جنّ.” و يقيم في خان الشيح 12000 مدني بينهم 3000 طفل، وبها عدد من المقاتلين الذي يدافعون عن البلدة.

 النظام الأسدي وحليفه الإيراني يعرفان أهدافهما جيدًا، ويعرفان أولويات تنفيذها كذلك، ولديهما استراتيجية مكررّة لتهجير ما تبقى من جيوب المقاومة السنية، بعد أن نزح الغالبية من أهالي هذه المناطق والبلدات جرّاء القصف اليومي بالبراميل المتفجرة، للنجاة بحياتهم وحياة أبنائهم.

 اليوم هو اليوم الرابع والأربعون للحصار الذي فرضته ميليشيات الأسد حول بلدة خان الشيح، بعد أن فصلتها عن بلدتها المجاورة “بلدة زاكية” عن طريق السيطرة على المنطقة الواصلة بينهما. بلدة خان الشيح الآن واقعة تحت الحصار، في حين يعمل الطيران الأسدي على قصف المناطق الزراعية ليحرم المحاصرين من المصدر المحلّي للغذاء اليومي. وفي الرابع من الشهر الجاري، كثّفت الميليشيات الأسدية هجومها العسكري على جبهات خان الشيح، لتسيطر على عدّة مناطق في البلدة.

هذه الخطة الأسدية باتت معروفة ومكررّة: حصار وتجويع، قصفٌ متزامن بالطيران، يعقبهما عملية عسكرية مباغتة، وقصف مكثّف. ففي يوم الأحد فقط، أمطر الطيران الأسدي خان الشيح بخمسين برميل متفجّر. وبفعل هذا التكتيك المتكرر، يدفع النظام أعيان البلدة ووجهاءها للجلوس على طاولة المفاوضات، واختيار أمر من اثنين: إمّا النجاة بالحياة عبر ركوب الحافلات الخضراء والنزوح إلى إدلب، أو البقاء في جهنم الحصار والتجويع والقصف اليومي في ريف دمشق.

 يسمّي النظام هذه المفاوضات بالمصالحة، ولكنّها ليست كذلك. هي اختيار بين الموت أو  الخروج من الديار، وغالبًا ما تنتصر الثانية.

 ترى ماذا يفعل الثوار والمجاهدون؟ وهل بمقدورهم الحيلولة دون استمرار عمليات التهجير القسري، و دون استكمال إفراغ حزام دمشق السنّي الثوري من سكانّه؟

 يقاتل الثوار والمجاهدون بشراسة في بلدة خان الشيح. فالقتال في هذه الحالة هو قتال لأجل البقاء والوجود المهدد بالفناء. ولكنّ الثوار والمجاهدين يخوضون معارك متعددة في آنٍ، ليسوا هم من يحدّد أولوياتها وليسوا هم من يحدّد المعركة الأهم، والمعركة الأقل أهمية، وليس لديهم، بطبيعة الحال، أيّ وسيلة لإيقاف حقد البراميل المتفجرة التي تسلب حياة الأطفال الأبرياء قبل حياة المقاتلين الأشدّاء.

لا أحد يعلم الآن ما المصير الذي ستنتهي إليه حياة 12 ألف مدني في بلدة خان الشيح! ولا أحد يعلم حتّى متى ستنتظر الحافلات الخضراء على أطراف خان الشيح، لنقل من تبقى منها حيًّا باتجاه الشمال السوري!

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>