كيف يعتقل صحفي في مصر؟

نشر سابقًا في مصر العربية. 29 نوفمبر 2016.

يُعتقل الصحفي في مصر مثلما يُعتقل أي مواطن مصري آخر تنطبق عليه نفس الأسباب.

 بعد أحداث الصيف الدامي في 2013 غادر كثير من النشطاء والفاعلين السياسيين، خاصة الإسلاميين، مفضلين المنفى الاختياري عن تحمّل احتمالات التنكيل والاعتقال في مصر. وكانت الدول التي لا تتطلب تأشيرة من المصريين مثل لبنان، والأردن، والسودان وغيرها هي الخيار العملي السريع للفرار من جحيم انتظار احتمالات متعددة في مصر.

 وكان لعامٍ من حرية الحركة وحرية النجاة أن يمر حتى تنتبه السلطات المعنية في مصر أنّ كثيرًا من عناصر الإخوان والشباب الناشط كان لابد أن يكون في السجون يواجه أحكامًا قضائية عوضًا عن أن يكون في منفى اختياري.

 في نهاية عام 2014، صدر قرار بمنع سفر الذكور البالغين تحت أربعين عام إلى ستة بلاد إلا بموافقة أمنية تُستصدر من مجمع التحرير، وفي مايو  2015، صدر قرار أنّ الإناث في نفس العمر يُمنعن كذلك من السفر إلى تلك البلاد إلا بالموافقة الأمنية، وفي أغسطس من نفس العام زيدت البلاد الممنوع السفر إليها إلى ستة عشر بلدًا.

 وعوضًا عن النظر للمستقبل فقط في تنفيذ هذه القرارات، فقد قررت السلطات المعنية التدقيق في “تحركات” كثير من المواطنين المصريين في الخارج في السنوات الثلاثة الماضية، أي التدقيق بأثر رجعي. وبالطبع فمن المعلوم أنّ مجمع التحرير يحفظ جميع “تحركات” المواطنين، وبإمكان أي مواطن استصدار شهادة تحركات لنفسه إن أراد.

 فمن المتوقع إذًا لمن تردّد على البلدان المطلوب لها موافقة أمنية أن يواجه “تدقيقًا” أمنيًّا في حين قرّر العودة لمصر.

 وقد كان هذا تقدير  الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، حين أوضح في تصريح لمصر العربية في 7 ديسمبر 2014،  أنّه  “ستكون هناك مضايقات أمنية حال السفر لهذه الدول والعودة لمصر مرة أخرى، للحفاظ على الأمن العام”.

 لست بصدد مناقشة أسباب التشديد الأمني على المسافرين لهذه الدول والعائدين منها، وهي أسباب واضحة بطبيعة الحال، ولكنّي بصدد توضيح أنّ التدقيق الأمني هذا ينال جميع المواطنين المصريين، مهما اختلفت مهنهم.

 ينطبق هذا بالتأكيد على حالة الصحفي إسماعيل الإسكندراني، الذي اعتقل في مثل هذا اليوم من العام الماضي. وكان أول ما لفت انتباه السلطات المعنية في المطار إليه هو أسفاره إلى بلدان كانت لتتطلب موافقة أمنية لو كانت إقامته في مصر بعد صدور القرارات.

 وبالتالي، فقد نال إسماعيل الإسكندراني نصيبه من التحقيق في المطار بشأن أسفاره،  وهو الإجراء الذي ينطبق على أي مواطن مصري في نفس هذه الحالة. شمل التحقيق الاستفسار عن أسباب سفره إلى البلدان المطلوب لها موافقة أمنية، وحين كانت إجابته أنّ الأسباب مهنية تتعلق بطبيعة عمله، فقد قرّر ضابط التحقيق مصادرة جواز سفره، وتركه يسافر من الغردقة إلى القاهرة، مع متابعة مسألة استرداد جواز سفره من القاهرة. وهو الإجراء اتُبّع في حالات أخرى خلال عام 2015 بحسب هيومن رايتس ووتش.

 ولكنّ ضابط التحقيق استدرك في اللحظة الأخيرة، وطلب إلقاء نظرة على جهاز اللاب توب الخاص بإسماعيل بعد أن قرّر تركه يذهب. وحين فحصه، وجد أسماء ملفات بحثية وصحفية متعلقة بقضايا تستشعر الدولة أنها تخص أمنها القومي. وذلك مثل البحث في قضايا الجماعات الجهادية والحركات الإسلامية.

 الدولة لا تفهم ماذا يعني أن يكون أعداؤها موضوعًا للدراسة والبحث، وأنّ الباحث والصحفي قد يدرس ويكتب عنهم، وهو يخالفهم أشد المخالفة. لا يستطيع ضابط موظف أن يفرّق من الوهلة الأولى بين من “ينتقد” وبين من “يروّج.” هو يسّوي بينهما ابتداء، والأصل لديه الشكّ، فالشكّ هو طريق سلامة أمن الدولة.

 ليس بالضرورة أن يكون كلّ ضابط لديه من الثقافة والاطلاع والخبرة ما يمكنه من اتخاذ قرار أنّ المادة المبحوثة التي تخص أعداء الدولة والموجودة على جهاز أحد المواطنين هي مادة للبحث والدراسة والنقد، وأنها لا تعرض أمن الدولة للخطر. قرر الضابط إذًا الضغط على زر الماكينة التنفيذية والقضائية، ليتولى الجهاز القضائي بنفسه الفصل في أمر المشكوك فيه، ويحدّد إن كانت المادّة البحثية التي لدى المشكوك فيه هي مادّة تستخدم للترويج أم تستخدم للانتقاد.

 أُلقي القبض على إسماعيل في مثل هذا اليوم إذًا، ليُسجن “على سبيل الاحتياط” لحين استيفاء التحريات عنه والتحقيقات معه، ليَثبُت للدولة بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ المادّة الموجودة على جهازه لا تؤهله أن يكون منضمًّا لجماعة أسّست على خلاف القانون، ولا أن يكون مروّجًا لأفكارها.

 إلقاء القبض على أي مواطن ليس بالضرورة أن يكون ذا أسباب ضخمة أو معقدّة. يكفي أن يكون لديه ما يجعل الرادار الأمني يستشعر الخطر على أمن الدولة. وإذا أردنا أن نفهم أسباب الاعتقال علينا أن نضع أنفسنا مكان “الدولة” وننظر بمنظار ما تراه مهدّدًا لأمنها، لا أن ننظر بمنظارنا نحن الذين نعرف أنفسنا ونعلم أنّنا لم نكن يومًا سوى بضعة حالمين بمستقبل أفضل.

 

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>