حين تذهب “الأمة” إلى الحج وتتخلف عن “سورية”

نشر سابقًا في مصر العربية. 13 سبتمبر 2016.

حين كانت أصوات الحجاج تتعالى يوم عرفة “الله أكبر الله أكبر الله أكبر” كانت أصوات أهالي مدينة دوما المحاصرة في ريف دمشق تتعالى كذلك بنداء “الله أكبر الله أكبر” لكن لسبب مختلف! ففي حين ينادي الحجاج بهذا النداء وهو في أمان، يستغيث أهالي دوما منادين “الله” وهو في ذعر من القصف الذي يخطف أرواحهم، أو يبتر أطرافهم! وحين كان حجاج بيت الله محرمين بالثياب البيضاء، كان أهالي دوما يكفنون شهداءهم بأكفان بيضاء كذلك.

لا تبدو لي “الأمّة الواحدة” مشغولة كثيرًا بالشهداء الذين يسقطون يوميًّا في حلب وإدلب والغوطة وحماة، ولا تبدو لي على معرفة أنّ من لم يستشهد في القصف الأسدي الروسي الإيراني المتوحش، كان نصيبه الإعاقة التامة مدى الحياة، ولا تبدو لي الأمّة الواحدة على تعاطف كبير مع من نجا من هذين المصيرين وكان مصيره التغييب وراء جدران السجن، أو النزوح أو اللجوء.

“الأمة الواحدة” اجتمعت في موسم الحج هذا العام، كما اجتمعت في الأعوام الخمسة الماضية التي هي أعوام المأساة السورية، ملبين نداء الله، ومؤمنين بكونهم أمّة واحدة، يجمعهم “الدين” على رغم اختلاف لغاتهم وألوانهم وألسنتهم. ولكن لا تبدو الأمة الواحدة على وعي كامل بأنّ مبدأها هذا يتعرّض لاختبار فاصل على وقع الأزمة السورية على مدار خمسة أعوام.

لا يبدو مفهوم الأمة متمثلاً في شعيرة مثل تمثله في شعيرة “الحج.” في موسم الحج هذا، اجتمع أكثر من مليون وثمانمائة ألف حاج، قدموا من جميع أنحاء الأرض آمنين، وسيعودون إلى ديارهم آمنين.

الأمن في حال الانفراد وفي حال الاجتماع، و العودة إلى الديار، من أهم الخبرات التي تعطيها شعيرة الحج لمؤديها. يحتاج الحاج في أدائه لهذه الشعيرة العلنية العامّة الجماعية أن يأمن على نفسه وعلى أهله في حالي الانفراد والاجتماع. ويحتاج أن يطمئنّ إلى عودته إلى دياره ووطنه بعد تمام فريضة الحج.

جزءٌ من الأمة هناك، شمال مكة، في سورية يفتقد الأمن. يفتقد الأمن في حال الانفراد، في البيوت غير الآمنة، وفي حال الاجتماع، حين خرجوا متظاهرين مجتمعين يطالبون مجرمًا بالتنحي. وحين استمرّ هذا المجرم في قصفهم سنين، نزحوا أو سافروا، وفي قلوبهم الوطن، لكنهم غير موقنين بالعودة.

لا يبدو الحجّاج مهتمين كثيرًا بإخوتهم في الدين الذين يفتقدون ما ضمنوه هم، وهم يطوفون في جماعات حول الكعبة، أو في السعي بين الصفا والمروة، أو وهم ينامون مطمئنين موقنين بالعودة إلى وطنهم.. بل وحين كان تجّار الحج المسلمين، يعملون بجد طوال العام لانتظار هذا الموسم ليجنوا الأرباح الطائلة من جيوب آلاف المسلمين من جميع الطبقات الذين اجتهدوا في ادّخار تكاليف الحج الكبيرة؛ لا يبدو أنّ محنة المسلمين النازحين واللاجئين والمعاقين والمصابين واليتامى في سوريا كانت حاضرة في الذهن أو الخطة، فضلاً عن أن تشغل الأمة التي أمرت بالتكاتف والتعاون وأن تكون كالجسد الواحد.

وفي سعي الأمة الدائم للاجتماع السنوي لأداء شعيرة الحج، لا يبدو أنّها ستدرك كثيرًا أنّ روح شعيرة الحج على تناقض تام مع التجاهل المستمر لجزء من الأمة، هناك، شمال مكّة، يُقتلع من الوجود.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>