إبادة على الهواء مباشرة !

نشر سابقًا  في مصر العربية. 27 سبتمبر 2016

لا شيء عاد بإمكانه إيقاف القصف الروسي المتوحش الأهوج على حلب الشرقية! ففي حين كانت “الأمم” تجتمع في مقر الأمم المتحدة بنيويورك الأسبوع الماضي، كانت صواريخ روسية تقصف قافلة مساعدات الأمم المتحدة، وتحرق عدّة عربات، وتقتل حوالي العشرين من العاملين المحليين الذين تسلموا القافلة على الحدود مع مناطق النظام. جريمة حرب كاملة اقترفتها روسيا يوم الاثنين 19 سبتمبر الماضي على مرأى العالم كله، وعلى مرأى الأمم المجتمعة في نيويورك التي بدت لا حيلة لها ولا رغبة ولا إرادة في إيقاف روسيا الهمجية، ومن خلفها إيران عن هذا الإجرام والتوحش.

لم تكتف روسيا بقصف قافلة المساعدات الأممية، بل قصفت محطات الدفاع المدني “الخوذ البيضاء” وأخرجت ثلاثة منها من الخدمة. أصحاب الخوذ البيضاء الذي يراقبون انتهاء القصف، ثم ينطلقون يبحثون بين المباني المهدمة عن يد امرأة أو قدم طفل، أو نفس لحيّ أو جثّة لميت، هؤلاء يتعمدّهم العدوان الروسي بالقصف ويدمر محطاتهم.

لم تكتف روسيا بتدمير فريق الخوذ البيضاء فقط، بل قصفت محطة مياه وأخرجتها عن الخدمة في تصعيد خطير جدًا، ينذر بتفشي أوبئة قادرة على تسهيل مهمة إنهاء حياة من تبقى من البشر في حلب.

لم تكتفِ روسيا بكل ما سبق، بل قصفت مباني حلب وسكانها المدنيين بالقنابل الحارقة، والقنابل الارتجاجية التي يزيد حجمها على طنين وتصل لعمق عدّة كيلومترات تحت الأرض! إنّها قنابل مخصصة لاستهداف الأقبية التي لا تحفر في الأرض إلا لحماية المدنيين. يستهدفها الآن العدوان الروسي ليضمن قتل من يحتمل اختباؤه في قبو تحت الأرض.

كل هذا العدوان والإجرام اقترفته روسيا في الأسبوع الماضي فقط، والذي تلا الهدنة الهشّة. فمن 17 سبتمبر وحتى 26 سبتمبر، قدّر عدد الشهداء بما يزيد عن 500 شهيد، وعدد الجرحى بما يزيد عن 1000 جريح في حلب الشرقية.

أهداف القصف الروسي كلّها مدنية! هذا أمر واضح وجليّ ولا يحتاج إلى استدلال! روسيا لا تقصف المقاتلين، بل تقصف المدنيين، ولا تقصف مقارًّا عسكرية، بل تقصف مباني مدنيّة! روسيا تهدف لإنهاء الحياة تمامًا في حلب الشرقية، فلا تذر نفسًا يتنفس، ولا تبقي حجرًا على حجر.

فإذا انتهت الحياة، ومات الأحياء في حلب، فهل يجد المقاتلون من يدافعون عنهم؟ عمّن يدافعون وعن ماذا يدافعون إذا أبيدت المدينة التي يدافعون عنها بأكملها! لا شيء. استراتيجية الإبادة لا تدع مجالاً لثورة تنجح، وتحوّل الثوار والمجاهدين لمدافعين عن البقاء والوجود فقط! وهذا ما قاله كذلك الجولاني، قائد جبهة فتح الشام في حديثه الأخير على الجزيرة.

استراتيجية الإبادة استراتيجية لا أخلاق لها، هدفها القتل الجماعي، وتدمير المدن، وتسويتها بالأرض. فإذا حدث هذا، فلن يعود هناك ما يمكن لثورة أن تحققه. فماذا تحقق الثورة إذا أبيدت البلاد التي كانت تريد أن تجعلها أفضل؟

قديمًا، كان التعتيم ضرورة لإنجاح إبادة. هذا ما فعله حافظ الأسد في حماة في فبراير 1982. ارتكب إبادة في تعتيم ليضمن التستر على جرائمه، وهو ما حدث. وهذا ما يفعله الأسد الابن الآن! لقد عممّ مجزرة حماة على مدن سوريا الثائرة على مدار خمس سنوات، والآن يكثفها في حلب. ولكن يبدو أنّه لم يعد من الضرورة إخفاء الجريمة، بل يمكن إذاعتها على الهواء مباشرة في غير خوف أو وجل، ليراها العالم، بل ولتتبادل القوى الكبرى الاتهامات حولها علانية في اجتماعهم الأممي، وهي تحدث على الهواء مباشرة.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>