لم يفوزا بنوبل… ولكن فازوا بقلوبنا

نشر سابقًا في مصر العربية. 11 أكتوبر 2016.

في يوم الجمعة الفائت، السابع من أكتوبر، أُعلن أنّ الفائز بجائزة نوبل للسلام هو الرئيس الكولومبي “خوان مانويل سانتوس” وذلك لجهوده في إنهاء الحرب الأهلية المستمرة في بلده منذ أكثر من خمسين عامًا.

لم يكن من عادتي متابعة جائزة نوبل للسلام، أو انتظار نتائجها، ولكنّي في هذا العام فعلت. لم يكن السبب هو جائزة نوبل في حدّ ذاتها؛ بل لأنّ “الخوذ البيضاء” كانت مرشّحة بقوة للحصول على الجائزة. لم يحالف الحظ “الخوذ البيضاء” للفوز بنوبل هذا العام، والتي كانت لتحقق لل”الحياة” في سوريا الكثير.

ربما مرّ عليك من قبل صورة من صور الدمار والخراب في سوريا بفعل الطيران الأسدي والروسي، خاصّة في حلب، ووسط هذا الدمار، ترى رجلاً من رجال الدفاع المدني السوري، يرتدي قبعة بيضاء، ويحمل طفلاً ناجيًا أو طفلة ناجية بين يديه.

“الخوذ البيضاء” مجموعة من حوالي ثلاثة آلاف رجل سوري، يعملون منذ أكتوبر 2014 في جميع المناطق السورية التي يستهدفها القصف الروسي الوحشي، والطيران الأسدي الهمجي، أي المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار.

نجحت الخوذ البيضاء في إنقاذ ما يزيد عن ستّين ألف حياة من تحت الأنقاض، كانت لتنضم لقوافل الشهداء لولا جهودهم. كثيرٌ ممّن أنقذتهم الخوذ البيضاء هم أطفال، فالطيران الروسي مثل الطيران السوري يستهدف قتل الصغار قبل الكبار، حتى لا يكون لسوريا الثورة مستقبل.

حين تنتهي موجة القصف الهمجية، وتنهار البيوت فوق ساكنيها، يسرع أبطال الخوذ في التوجه نحو مكان القصف، باحثين عمّن يمكنهم إنقاذه قبل أن يفارق الحياة تحت الأنقاض.

في إحدى مشاهد الإنقاذ بعد القصف التي لا أنساها، استطاعت الخوذ إنقاذ طفلة رضيعة لا يزيد عمرها عن أشهر، من تحت الأنقاض. لم يكن التحدي إنقاذ الطفلة فقط، بل كان التحدي إنقاذها برفق حتى لا يؤدّي جذبها بعنف إلى إصابة جسدها الرقيق. استطاعت الخوذ إخراج الرضيعة من بين الأنقاض، وقد علت صيحات “الله أكبر” وبكوا جميعًا من فرط التأثر من رحمة الله. لا يمكنك أن تشاهد مقطع الفيديو هذا دون أن يدفعك للبكاء.

في مشهد آخر لا ينسى، شاهده العالم كله، وتناقلته قنوات الأخبار العالمية قبل الإقليمية، استطاعت الخوذ البيضاء، إنقاذ الطفل “عمران” الذي تُرك على كرسي عربة الإسعاف في حال من الصدمة العنيفة التي أدّت به  للخرس التام؛ في حين عاد رجل الدفاع الذي أنقذه، لينقّب بين الأنقاض عن بقية أفراد عائلته، وجيرانه.

لم يكن عمل هؤلاء الأبطال دون ثمن، بل إنّ القصف يستهدفهم كذلك، ليقتل منهم حوالي المئتين. بقي من الفريق ألفان وثمانمئة، هم جملة الفريق في هذه اللحظة.

الطيران الروسي والأسدي لا يستهدف أفراد الدفاع المدني فقط، بل يستهدف محطات ومعدّات الدفاع المدني، التي لا يمكنهم إنقاذ الحيوات بغيرها. ففي التاسع عشر من سبتمبر الفائت، ووفي اليوم الأخير للهدنة القصيرة ذات الأيام السبعة، استهدف الطيران الروسي قافلة المساعدات الأممية التي كانت الخوذ البيضاء تشرف عليها. وبالإضافة لإحراق عربات المساعدات، قتل القصف حوالي عشرين رجل من رجال الدفاع المدني. ولم يكتف الطيران الروسي بقصف قافلة المساعدات فقط، بل قصف محطات الدفاع المدني في حلب وأخرج منها ثلاثة محطات عن الخدمة.

لا يستهدف القصف تحقيق نصر عسكري، بل قد يكون هذا آخر ما يفكّر فيه. ولكنّه يستهدف إنهاء حياة الناس العادية التي تكوّن عماد الحياة والعمران في المناطق المحررة. ولذا، فإن عمل “الخوذ البيضاء” لإنقاذ الحياة والأحياء، هو عين مقاومة العدوان الروسي والبغي الأسدي.

فليحفظ الله “الخوذ البيضاء.”

فليحفظ الله رجال الدفاع المدني.

 

 

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>