الهزيمة في دابق.. “آخر الزمان” يتأجل إلى إشعار آخر

نشر سابقًا في مصر العربية. 18 أكتوبر 2016.

مُنيَ داعش بهزيمة ساحقة في قرية دابق يوم الأحد 16 أكتوبر بعد معركة دامت عدّت ساعات على يد فصائل من الجيش الحر. هزيمة داعش على يد “الحرّ” جاءت في المرحلة الرابعة من العملية العسكرية التركية “درع الفرات” المستمرة من أغسطس الماضي، والتي حققت نجاحًا كبيرًا في تحرير الشمال السوري من سيطرة الأكراد ومن سيطرة داعش.

دابق قرية صغيرة في الشمال السوري، تقع على بعد 45 كيلومتر شمال حلب، ويسكنها حوالي 3000 نسمة. وعلى رغم ضعف أهميتها الاستراتيجية والعسكرية نظرًا لموقعها، إلاّ أنّ إسقاطها أخذ زخمًا كبيرًا أكثر من غيرها من قرى ومدن الشمال الأكثر أهمية عسكرية منها. حيث توالت الأخبار والتعليقات الأجنبية منها قبل العربية لنقل هذا الحدث المهم. كان هذا الاهتمام صدى للأهمية الرمزية الدينية الكبيرة لقرية دابق في المنطلقات الفكرية لداعش.

ورد ذكر دابق، القرية الصغيرة، في حديث شريف رواه أبو هريرة، ودوّنه مسلم. يقول الحديث “لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق -أو بدابِقَ-، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بينا وبين الذين سُبُوا مِنَّا نقاتلْهم، فيقول المسلمون: لا والله، كيف نُخَلِّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم؟ فينهزم ثُلُث ولا يتوب الله عليهم أبدا، ويُقتَل ثلثُهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يُفتَنون أبدا، فيفتَتحِون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد عَلَّقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إنَّ المسيحَ الدَّجَّالَ فد خَلَفَكم في أهاليكم، فيخرجون، -وذلك باطل- فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينا هم يُعِدِّون القتال، يُسَوُّون صفوفَهم، إذا أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم، فأمَّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب في الماء، فلو تركه لانزاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيدهيعني المسيحفيريهم دَمه في حربته”.

اتخذ تنظيم الدولة حديث دابق تأسيسًا شرعيًّا له بأنّه على الحق في مقابل الفصائل التي تقاتله، والتي قرر أنها على باطل. وتأول الحديث ليعلن أنه المقصود بوصف “خيار أهل الأرض.” وبالتالي شكّلت دابق أهمية رمزية كبيرة لدى التنظيم المتشدد، إذ فور أن أعلن عن قيام مّا ادّعى بأنّه “الدولة الإسلامية” في يونيو 2014، أصدر مجلة ناطقة بالإنجليزية في يوليو وأسماها “دابق.” و ليس بالغريب أن يصدر التنظيم المجلة بالإنجليزية، إذ يؤمن التنظيم أنّ معركة دابق ستحدث بين المسلمين وبين الروم، والذين تأوّلهم التنظيم أنهم الغرب في العموم. وفي أغسطس من نفس العام 2014، استطاع التنظيم المتشدد الاستيلاء على دابق، ليعلن بذلك أنّه جيش المسلمين المقصود في الحديث الشريف، ولم يبق سوى أن يجتمع الروم لمحاربتهم، فتتحقق نبوءة دابق وبالتالي يأخذ التنظيم شرعية كونه محل تحقيق النبوءة.

بدأ استعداد القوات التركية للمرحلة الرابعة من درع الفرات منذ أسبوعين على التقريب، وكذلك فعل داعش إذ أرسل التنظيم جيشًا من أشدّ مقاتليه، المسمّى “جيش العسرة” للتصدي لهجوم الجيش الحر، وإنقاذ دابق وبالتالي إنقاذ السردية المهدوية التي تعطي التنظيم تماسك عقدي يحتاجه ليستمر في القتال بشراسة.

وفور أن شعر التنظيم ببوادر الهزيمة في دابق في الساعات الأولى من يوم الأحد، سارع بإعلان أنّ هذه المعركة ما هي إلاّ “معركة دابق الصغرى” لينقذ نفسه من الهزيمة المعنوية والعقدية. وادّعى التنظيم أن نبوءة الحديث عن معركة “دابق” التي هي من أشراط الساعة، هي “معركة دابق الكبرى” وهي التي لم تحدث بعد. وبذا، فقد قررّ داعش تأجيل  آخر الزمان إلى إشعار آخر.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>